البيت السعيد
الحمد
للّه الذي هدانا للإسلام ، وجعلنا من أهله وما كنا لِنهتَدِي لولا أن
هدانا اللّه ، أحمده سبحانه وأشكره على نعمه ، وأسأله المزيد من فضله
وكرمه ، وأشهد ألا إله إلا اللّه وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده
ورسوله ، أرسَلَه بالهُدى ودين الحقِّ بشيرًا ونذيرًا دعا إلى الحق وهدى
إلى الخير ، صلى اللّه وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ، ومن اهتدى بهديه
إلى يوم الدين .
أما بعد :
فاتَّقوا
اللّه أيها المسلمون وعَظِّموا أمر ربكم واحفظوا دينكم وأماناتكم ، وقوموا
بمسؤولياتكم اتقوا اللّه في أنفسكم وأهليكم وأصلحوا ذات بينكم .
فكثير
من الناس يطلب السعادة ، ويلتمس الراحة وينشد الاستقرار وهدوء النفس
والبال, كما يسعى في البعد عن أسباب الشقاء والاضطراب ، ومثيرات القلق ،
ولا سيما في البيوتات والأسر .
وليعلم
أن كل ذلك لا يتحقق إلا : بالإيمان باللّه وحده ، والتوكل عليه ، وتفويض
الأمور إليه ، مع الأخذ بما وضعه من سنن وشرعه من أسباب .
أهمية بناء الأسرة والألفة في بيت الزوجية :
وإن
من أعظم ما يؤثر في ذلك على الفرد وعلى الجماعة : بناء الأسرة واستقامتها
على الحق ؛ فاللّه سبحانه بحكمته جعلها المأوى الكريم الذي هيأه للبشر من
ذكر وأنثى . . يستقر فيه ويسكن إليه ، يقول- جلَّ جلاله وتقدَّست أسماؤه-
ممتنا على عباده : وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ
أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً
وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ نعم ،
ليسكن إليها ، ولم يقل ليسكن معها ، مما يؤكد معنى الاستقرار في السلوك
والهدوء في الشعور ، ويحقق الراحة والطمأنينة بأسمى معانيها ؛ فكلّ من
الزوجين يجد في صاحبه الهدوء عند القلق ، والبشاشة عند الضيق .
إن أساس العلاقة الزوجية : الصحبة والاقتران القائمان على الودّ والأنس
والتآلف . إنَّ هذه العلاقة عميقة الجذور بعيدة الآَماد ، .{إنها أشبه ما
تكون صلة للمرء بنفسه ، بينها كتاب ربنِّا بقوله : { هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ
وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ
فضلًا
عما تُهَيِّئه هذه العلاقة من تربية البنين والبنات وكفالة النشء . . التي
لا تكون إلا في ظلِّ أمومة حانية وأبوُّةٍ كادحة . .
وأيُّ بيئةٍ أزكى من هذا الجو الأسري الكريم ؟ .
دعائم بناء الأسرة المسلمة
أيها القارئ الكريم :
هناك
أمور كثيرة يقوم عليها بناء الأسرة المسلمة وتتوطَّد فيها العلاقة الزوجية
، وتبتعد فيها عن رياح التفكك ، وأعاصير الانفصام والتصرم : -
(1) الإيمان باللّه وتقواه :
وأول
هذه الأمور وأهمها : التمسك بعروة الإيمان الوثقى . . الإيمان باللّه
واليوم الآخر ، والخوف من المطَّلع على ما تكنُهّ الضمائر ، ولزوم التقوى
والمراقبة ، والبعد عن الظلم والتعسُّف في طلب الحق . { ذَلِكُمْ يُوعَظُ
بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ
اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا
يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}
ويقّوي
هذا الإيمان : الاجتهاد في الطاعة والعبادة والحرص عليها والتواصي بها بين
الزوجين ، تأمَّلوا قوله- صلى الله عليه وسلم : رِحم اللّه رجلًا قام من
الليل فصلى وأيقظ امرأته فصلّت ، فإن أبت نضح في وجهها الماء - يعني :
رشَّ عليها الماء رشًَّا رفيقًا- ورحم اللّه امرأةً قامت من الليل فصلَّت
وأيقظت زوجها فصلى ، فإن أبى نضحت في وجهه الماء .
إن
العلاقة بين الزوجين ليست علاقة دنيوية مادية ، ولا شهوانية بهيمية ، إنها
علاقة روحية كريمة ، وحينما تَصِحُّ هذه العلاقة وتَصْدُق هذه الصفة ،
فإنها تمتد إلى الحياة الآخرة بعد الممات :
{}جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ
2) المعاشرة بالمعروف :
إن
مما يحفظ هذه العلاقة ويحافظ عليها . . المعاشرة بالمعروف ، ولا يتحقق ذلك
إلا بمعرفة كل طرف ما له وما عليه . وإنَّ نُشْدَان الكمال في البيت وأهل
البيت أمر متعذر ، والأمل في استكمال كل الصفات فيهم أو في غيرهم شيء بعيد
المنال في الطبع البشري .
دور الزوج في الحفاظ على بيت الزوجية والمعاشرة بالمعروف :
ومن
رجاحة العقل ونضج التفكير توطين النفس على قبول بعض المضايقات ، والغض عن
بعض المنغصات ، والرجل- وهو رب الأسرة- مطالب بتصبير نفسه أكثر من المرأة
، وقد علم أنها ضعيفة في خَلْقها وخُلُقها ، إذا حوسبت على كل شيء عجزت عن
كل شيء ، والمبالغة في تقويمها يقود إلى كسرها وكسرها طلاقُها ، يقول
المصطفى الذي لا ينطق عن الهوى- صلى الله عليه وسلم : واستوصُوا بالنساء
خيرًا فإنهن خُلِقْنَ من ضلع ، وإنَّ أعوج شيء في الضلع أعلاه ، فإن ذهبت
تقيمه كسرته ، وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء خيرًا فالاعوجاج
في المرأة من أصل الخلْقة فلا بد من مسايرته والصبر عليه .
فعلى
الرجل ألا يسترسل مع ما قد يظهر من مشاعر الضيق من أهله وليصرف النظر عن
بعض جوانب النقص فيهم ، وعليه أن يتذكَّر لجوانب الخير فيهم وإنه لواجد في
ذلك شيئًا كثيرًا .
وفي
مثل هذا يقول الرسول ، صلى الله عليه وسلم : لا يفْرَك مؤمنٌ مؤمنةً- أي
: لا يُبغض ولا يكْره- إن كره منها خلقًا رضي منها آخر وليتأنَّ في ذلك
كثيرًا فلَئِن رأى بعض ما يكره فهو لا يدري أين أسباب الخير وموارد الصلاح
.
يقول-
عَزَّ من قائل- : { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ
كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ
فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}
وكيف
تكون الراحة ؟ وأين السَّكَن والمودة ؟ إذا كان رَبُّ البيت ثقيل الطبع ،
سيئ العشرة ضيّق الأفق ، يغلبه حمق ، ويعميه تعجُّل ، بطيء في الرضى ،
سريع في الغضب ، إذا دخل فكثير المنّ ، وإذا خرج فسيئ الظن . وقد عُلم
أنَّ حسن العشرة وأسباب السعادة لا تكون إلا في اللين والبعد عن الظنون
والأوهام التي لا أساس لها ، إن الغيرة قد تذهب ببعض الناس إلى سوء ظنّ .
. يحمله على تأويل الكلام والشك في التصرفات ، مما ينغص العيش ويقلق البال
من غير مستند صحيح .
وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ} كيف وقد قال ، صلى الله
عليه وسلم : خيركم خيركم لأهله ، وأنا خيركم لأهلي { .
دور الزوجة في الحفاظ على بيت الزوجية والمعاشرة بالمعروف :
أما
المرأة المسلمة : فلتعلم أن السعادة والمودة والرحمة لا تتم إلا حين تكون
ذاتَ عفةٍ ودين ، تعرف ما لها فلا تتجاوزه ولا تتعداه ، تستجيب لزوجها ؛
فهو الذي له القوامة عليها يصونها ويحفظها وينفق عليها ؟ فتجب طاعته وحفظه
في نفسها وماله ، تتقن عملها وتقوم به وتعتني بنفسها وبيتها ، فهي زوجة
صالحة وأم شفيقة ، راعيةٌ في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها ، تعترف بجميل
زوجها ولا تتنكر للفضل والعشرة الحسنة . يحذِّرُ النبي- صلى الله عليه
وسلم - من هذا التنكر ويقول : أريتُ النار فإذا أكثر أهلها النساء ،
يكفرن قيل : أيكفرن باللّه ؟ قال : لا . يكفرن العشير ؛ لو أحسنتَ
لإحداهنَّ الدهرَ ثم رأت منكَ شيئًا قالت : ما رأيت منك خيرًا قط فلا بد
من دَمح الزلاَت والغض عن الهَفَوات . . لا تسيء إليه إذا حضر ولا تخونه
إذا غاب .
بهذا يحصل التراضي وتدوم العُشرْة ويسود الإلف والمودة والرحمة . و أيّما امرأةٍ ماتتْ زوجُها عنها راضٍ دَخَلت الجنة .
فاتَّقوا
اللّه يا أمّة الإسلام- واعلموا أنه بحصول الوئام تتوفَّر السعادة ،
ويتهيأ الجو الصالح للتربية ، وتنشأ الناشئة في بيتٍ كريمٍ مليء بالمودة
عامر بالتفاهم . . بين حنان الأمومة وحدب الأبوة . . بعيدًا عن صخب
المنازعات والاختلاف ، وتطاول كل واحد على الآخر ، فلا شقاق ولا نزاع ولا
إساءة إلى قريب أو بعيد . { رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا
وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}
خاتمة
وختامًا- أخي المسلم ، أختي المسلمة- وفقكما اللّه :
إن
صلاح الأسرة طريق أمان الجماعة كلها ، وهيهات أن يصلح مجتمع وَهَنتْ فيه
حبال الأسرة . كيف وقد امتنَّ اللّه سبحانه بهذه النعمة . . نعمة اجتماع
الأسرة وتآلفها وترابطها فقال سبحانه : { وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ
أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ
وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ
وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ}
إن
الزوجين وما بينهما من وطيد العلاقة ، وإن الوالدين وما يترعرع في
أحضانهما من بنين وبنات يمثلّان حاضر أمة ومستقبلها ، ومن ثم فإن الشيطان
حين يفلح في فَكِّ روابط أسرة فهو لا يهدم بيتًا واحدًا ، ولا يحدث شرا
محدودًا ، وإنما يوقع الأمة جمعاء في أذى مُسْتعر وشرٍّ مستطير . والواقع
المعاصر خيرُ شاهد .
فرَحِمَ
اللّه رجلًا محمود السَيرة ، طيِّب السريرة ، سهلًا رفيقًا ، ليِّنًا
رؤوفًا ، رحيمًا بأهله حازمًا في أمره ، لا يكلف شططا ولا يرهق عُسرًا ،
ولا يهمل في مسؤولية . ورَحِمَ اللّه امرأة لا تطلب غلطًا ولا تكثر لغطًا
صالحةً قانتةً حافظةً للغيب بما حفظ اللّه .
فاتقوا اللّه أيها الأزواج ، واتقوا اللّه أيها المسلمون فإنه من يتق اللّه يجعل له من أمره يسرًا .
وصلى
اللّه وسلم على خير خلقه نبينا محمد ، وعلى آله وأزواجه الطيبين الطاهرين
، وعلى صحبه الغرّ الميامين ، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين .
سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .
منقول من موقع
بإشراف الشيخ صالح ال شيخ