السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني _ رحمة الله عليه _ :
_ نأمر نحن ، الشباب أن يتلقوا علم التجويد لا للمباهاة و لا للمفاخرة و إنما ليتمكنوا من تلاوة القرآن كما أنزل من الله عزوجل بواسطة جبريل على النبي صلى الله عليه و آله و سلم، وكما لقنه جبريل له عليه الصلاة و السلام و علمه و عرضه أكثر من مرة كما هو ثابت في الصحيح .
و ثانيا لا ينبغي أن يستغلوا علمهم لهذه التلاوة و بالأحكام المترتبة على التلاوة التي تلقوها عن علماء التجويد ألا يستغلوا ذلك في الطعن في بعض العلماء الذين لم تساعدهم الظروف و لم يتمكنوا من مثل هذا التلقي الذي قيض لهم و سخر لهم و قد يكون هذا بفضل أولئك العلماء الذين قد يتكلمون فيهم بل و قد يسخرون منهم لأنهم لا يحسنون تلاوة القرآن كما علموا هم .
فوصيتي لهؤلاء الشباب أن يتعلموا الأحكام هذه لتساعدهم على تلاوة القرآن كما أنزل كما ذكرت آنفا و ثانيا ألا يسخروا ممن يظنون أنهم لا يحسنون تلاوة القرآن كما هم يتلون ذلك ، مع تدبرهم لكونهم قد يكونون في هذا العلم الذي يتفوقون فيه على بعض المشايخ ،أن يكونوا قد وقعوا في مخالفة شرعية لأنهم ليس عندهم إلا التقليد فننصحهم أن يدرسوا هذا العلم دراسة تبصر و تفتح حتى يتمكنوا من تمييز حكم عن حكم آخر كما قلنا بالنسبة للأحكام الشرعية فكثير منها تخالف السنة، فمن لم يعرف السنة لا يستطيع أن يميز الحكم الصحيح من الحكم الضعيف .
و أنا أضرب الآن مثالا وقع معي مرارا و تكرارا و آخرها كنا خارج عمان قبل سفرنا هذا في _ البقعة _ في مخيم لإخواننا الفلسطين، فصليت_أظن العشاء _ و قرأت الفاتحة بالقراءة المشهورة تواترا عن النبي صلى الله عليه و سلم و هي ( ملك يوم الدين) ، بعد الصلاة اعترض علي بعض الحاضرين ، و قال : أنت يا أستاذ كانت قراءتك قراءة حفص ، و فعلا نحن تلقينا لما ختمنا القرآن على قراءة حفص لأنه هي المعروفة و المشهورة عند الأحناف ، و من جهة أخرى يقول هذا الناقد بأنك قرأت ( ملك يوم الدين) و هذه ليست قراءة حفص و لايجوز إلا أن تلتزم قراءة من القراءات المتواترة ، قلت له : ما الدليل على هذا الذي تقول ؟ ، طبعا لم يحر جوابا ، لأنه ما عنده علم سوى أنه لقن هذا التلقين ، و بينت له أن هذا التحجير تماما كقول بعض الفقهاء أن من كان حنفي المذهب فلا يجوز له مثلا أن يرفع يديه في الصلاة عند الركوع و الرفع منه لأن هذا خلاف المذهب ، فقلت له : هذا القول خلاف المذهب لكن ليس خلاف السنة ، فما الذي يضر الحنفي الذي عاش سنين في مذهب الأحناف و قد يكون معذورا في ذلك لأنه لم يتح له أن يدرس الفقه على طريقة الكتاب و السنة ، فما الذي يضر هذا الحنفي أن يرفع يديه مثلا في الصلاة بعد أن ثبت لديه أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يرفع يديه في الصلاة؟، كذلك أقول حمزة لم ترد إليه هذه القراءة فقرأ ( الحمد لله رب العالمين ) ، لكن أنا الذي قرأت القرآن و ختمته على قراءة حفص و هو يقرأ ( رب العالمين ) قد ثبت لدي من الناحية الحديثية بأن النبي صلى الله عليه و سلم كان يقرأ أحيانا ،( ملك يوم الدين ) ، ما الذي يحول بيني و بين أن أقرأ هذه القراءة التي لم يأخذ بها حفص و أخذ بها ورش مثلا ؟ و أنا ما أخذت بها لأن ورشا أخذ بها و إنما لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم في قراءة متواترة كما يقول العلماء .
فما يجوز لك أن تحجر أن يجمع الإنسان في أثناء القراءة بين قراءتين لأنه يجمع بين قراءة صحيحة و أخرى صحيحة ،و لهذا قال عليه الصلاة و السلام : (نزل القرآن على سبعة أحرف ) ، فممكن أن يكون كل من القراءتين هو وجه و حرف من هذه الأحرف ، فهو لقن أنه لا يجوز أن يقرأ بالقراءتين ، كما لقن أنه لا يجوز أن يعيش على مذهبين فيما يتعلق بالأحكام الشرعية ، هذا لا يجوز و كذلك ذاك لا يجوز ، يجوز للحنفي أن يأخذ برأي عند الشافعي ما دام قام الدليل الشرعي على صحته ، و يجوز للشافعي أن يأخذ أيضا بالقول الصحيح إذا ثبت عند الحنفي أو المالكي أو الحنبلي .
لذلك قلت ما قلت أولا بأنه يوجد _ بلا شك _ في علم التجويد مثل ما يوجد في بعض المذاهب الأحكام الشرعية بعضها صحيح و بعضها غير صحيح ، ولكن التمييز يحتاج إلى علم و هذا الذي نحن نوجه طلاب العلم أن يتفرغوا لدراسته دراسة جيدة حتى يقدموا للناس علما جديدا بصيرا فيما يتعلق بعلم التجويد :
أولا : بأن يقال : هذا صح و هذا لم يصح .
ثانيا : أن يقال هذا واجب و هذا مستحب .
و هذا التفصيل أنا ما وجدته في كتب التجويد إلا في التلقي فقط ، و هذا التلقي يمكن أن يدخل فيه مع الزمن ما لم يكن سابقا كبعض الأمثلة التي ذكرنا آنفا و منها الأمثلة المشهورة : أنه يختم سورة (و الضحى ) بالله أكبر ،( ألم ) الله أكبر ، (و التين و الزيتون )، (ألم نشرح لك صدرك ) .... و هكذا إلى آخر السور الصغار هذه ، فهذه ليس لها أصل في السنة أولا و لم يقل بها إلا بعض علماء التجويد المتأخرين كما يذكرنفس ( ابن الجزري ) في النشر.
فهذه خلاصة النصيحة لهؤلاء الشباب و لمن قبلهم من الشيوخ الذين لم يتح لهم أن يتلقوا علم القراءة و التجويد عن بعض الشيوخ المتخصصين.