بسم الله الرحمن الرحيم
رفعة قدر القرآن وعظيم ثوابه
قيمةُ المرءِ ما يحسِنُهُ ، ومقدارُه مقدارُ ما يتعلّق به ، وإذا أردتَ أنْ تعرفَ منـزلتك فانظر إلى ما أنت مشغولٌ به في حياتك ، فمَنْ شُغِلَ بالقرآن قراءةً وفهمًا وتأملاً فهو في مرتبةٍ عالية ؛ لأنَّ القرآنَ رفيعُ القدر ، عالي المنـزلة .
وإني أُورد على مسامعك حديثَيْنِ صحيحَينِ بديعين ، أولهما فيه تنبيهٌ على رفيع مقدار القرآن ، وثانيهما فيه تعريفٌ بقدر ثوابه العظيم ، لعلّ ذلك يكون حاثًّا على الاشتغال بكتاب الله .
الحديث الأول :
أخرجَ » مسلم « في » صحيحه « في ( كتاب فضائل الصحابة ) 2048 حديثَ » زيد بن أرقم « من خطبة النبي صلى الله عليه وسلم : » أمّا بعدُ أيُّها الناسُ ، فإنما أنا بشرٌ يوشِكُ أن يأتيَ رسولُ ربِّي فأجيبَ ، وأنا تاركٌ فيكم ثَقَلَيْنِ : أوّلهما كتابُ الله ، فيه الهدى والنور ، فخُذوا بكتابِ الله واستمسِكوا به .
وفي رواية : من استمسكَ به ، وأخَذَ به ، كان على الهدى ، ومَن أخطأه ضَلّ .
وفي رواية : هو حبلُ الله ، من اتّبعه كان على الهدى ، ومَنْ تَركَه كان على الضلالة .
ثم قال صلى الله عليه وسلم : وأهلُ بيتي أُذَكِّـرُكُمُ اللهَ في أهلِ بيتي « قالها ثلاثاً .
الحديث الثاني :
أخرج » أحمد « في » مسنده « 6799 من الجزء 11حديثَ » عبد الله بن عمرو « عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يقال لصاحِبِ القرآنِ : اِقرأْ ، و ارْقَ ، و رَتِّلْ كما كنتَ تُرَتِّل في الدنيا فإن منـزلتك عند آخرِ آيةٍ تقرؤها « . اِرْقَ : أي ارتفع في درجات الجنة .
قال » الخطابيّ « في » معالم السنن « ( 1 : 289 , 290 ) : » جاء في الأثر : عددُ آيِ القرآن على قدر درج الجنة ، يقال للقارئ : اقرأْ وارتقِ في الدرج على قدر ما كنت تقـرأُ من آي القرآن ، فمن استوفى قراءةَ جميع القرآن استولى على أقصى درج الجنة ، ومن قرأَ جزءًا منه كان رُقِـيُّهُ في الدرج على قدر ذلك ، فيكون منتهى الثواب عند منتهى القراءة » .
فعلى قدرِ همّةِ المرءِ في المعالي يشغل نفسَه بكتابِ الله - عزّ وجلّ - والتفكرِ فيه ، والتأملِ في حِكَمِهِ وأحكامِهِ ، وعِبَرِهِ وقَصصِهِ ، وبذلك ينالُ ثوابًا عظيمًا ، وعزًّا لا يُشبهه عزٌّ ، ويحوزُ رِضَا أرحمِ الراحمين ، فقد أخرجَ » الترمذيّ « في » جامِعِهِ « في ( أبواب ثواب القرآن ) 2915 حديثَ أبي هريرة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : « يجيءُ صاحبُ القرآن يومَ القيامة فيقول : يا ربِّ حَلِّهِ ، فَيُلْبَسُ تاجَ الكرامة ، ثم يقول : يا ربِّ زِدْهُ ، فَيُلْبَسُ حُلَّةَ الكرامةِ ، ثم يقول : يا ربِّ ارْضَ عنه ، فيَرْضى عنه ، فيقال له : اقرأْ وارقَأْ ، ويُزادُ بكُلِّ آيةٍ حسنةً » . قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح .
واللهَ أسألُ أن يجعلَ القرآنَ العظيمَ ربيعَ قلوبِنا ، ونورَ أبصارِنا ، وجلاءَ حزنِنا ، وذهابَ همومِنا .
وصلّى اللهُ على سيّدنا محمّد وعَلى آلِهِ وصحبِهِ وسَلّم
بقلم
أ. د محمود بن يوسف فجال
منقول